نظّم مركز الفنون والآداب في الجامعة الأمريكية في بيروت، في يومي الثلاثاء والأربعاء 30 و 31 تشرين الأول 2018، مؤتمراً دولياً بمناسبة مرور ألف عام على ظهور الموحّدين الدروز، على مسرح التاريخ كطائفة إسلامية تميّزت عن سواها من الطوائف المتفرّعة من الإسلام، وقد أشرف على تنظيم أنشطة المؤتمر كلٌّ من الدكتور عبد الرحيم أبو حسين والدكتور مكرم رباح. ضم المؤتمر ثلّة من الباحثين البارزين، الذين ساهموا في إثراء مجال دراسات الشرق الأوسط، واهتموا بشكل خاص بمساهمات الموحّدين الدروز في مواطنهم.
وقد ركّز المؤتمر على بحث مسائل تتعلّق بالتطوّر السياسي والاجتماعي والثقافي للموحّدين الدّروز، كما نظّم عدداً من الأنشطة الثقافية والفنية بالتزامن مع الجلسات المنعقدة، ممّا يتيح للمهتمّين أن يصبحوا أكثر اطّلاعاً على الأوضاع الاجتماعية والثقافية التي تميّز مجتمع الدروز، كما أنّ المتحدثين تناولوا العلاقات بين الدروز والعثمانيين والطوائف الأخرى التي كانت ولا زالت تشارك الموحّدين الدروز في الوطن الواحد الذي يعيشون فيه. كان أوّل المتحدّثين الدكتور:
الأستاذ عبد الرحيم أبو حسين: أشار إلى ما جرّت إليه جرائم داعش الإرهابية في السويداء… وإلى أنّ اهتمام الجامعة في هذا المؤتمر ينطلق من التزامها النقاش الحرّ والتنوع والتعدّديةـ الذي اشتُهر به لبنان، وإلى أنّ الدروز كانوا جزءاً من منطقة عيشهم، وهم في دفاعهم عن وجودهم، إنّما دافعو عن التميّز… كما أشار الدكتور أبو حسين إلى أنّ التاريخ الدرزي بدأ من وقت الأيوبيين، وإلى أنّهم كانت لهم أدوار بارزة في الشام ومن شخصياتهم الهامة، كان الأمير شكيب أرسلان، وسلطان باشا الأطرش، ورشيد طليع وكمال جنبلاط … وأنّهم لعبوا دوراً أساسيّاً في المجتمعات التي عاشوا فيها، وكان دورهم ذاك لا علاقة له بالأرقام … وفي ختام حديثه توجّه الدكتور أبو حسين بالشكر إلى د. مكرم رباح، وبروفيسور أكارلي، ورئيس الجامعة د. بابلو خوري، ود. ناديا الشيخ، وغيرهم بالإضافة إلى مصرف الموارد، وكلّ من السادة مروان خير الدين وسليم خير الدين وإلى كل من ساند المشروع…
القاضي الأستاذ عباس الحلبي: أكّد على أنّ الدروز شريحة مؤسّسة للكيان اللبناني، وأنّه قد لحق بهم ظلم كبير، وتشويه عقائد من جانب مجموعة التفرقة والتمييز في التاريخ الإسلامي، وأنّ الدُّروز استمرّوا 1000 سنة بسبب دورهم التاريخي في الدّفاع عن العروبة والإسلام، وأنهم رفضوا فكرة تقسيم لبنان، بل هم دافعوا عن عروبة لبنان وإسلامه وحمايته في إطار عروبة حضارية ثقافية، وهم يَرَوْن أنّ الإسلام عنصراً مُكَوّناً، مع إيمانهم بدور المسيحييِّن في وطن مشترك للجميع … وكانت عصبيتهم مصدر قوّتهم، وأن ما نشهده حاليّاً من تطرّف ديني، هو غير مُقتصر على الإسلام، بل هناك تطرّف يهودي ومسيحي أيضاً. وعلى الصعيد الوطني والعربي، تناولت كلمة القاضي الحلبي، العلاقات بين الدروز وسائر الطوائف، مشيراً إلى تيّارين بَرَزا في العصر الحديث، في أوساط الموحّدين الدروز: الأول: تمثّل في مجموعة أبرزها الأمير شكيب أرسلان، وعمل ممثلو هذا التيّار من أجل إدماج الدروز في قلب الجماعة المسلمة، وقد انتهى بقية أعضاء هذا التيار إلى إعلان أنّهم مسلمون سنّة جاحدين درزيّتهم، ولم تُسْتَكمل جهود شكيب أرسلان بعد وفاته، إذ لم يقتنع الموحّدون الدروز تماماً بها.
الثاني: تيّار كمال جنبلاط “الذي انخرط بشكل أوسع في إظهار الطابع الإسلامي للموحدين الدروز، مع التّشديد على إظهار الخصوصية التي تميّزهم”.
وتكلّم الدكتور هانني حسن: وتناول في حديثه ومضات من التاريخ الدرزي، كما أشار إلى دور الدروز في الحفاظ على الكرامة والوحدة مع الإنسانية … ونَوّه إلى أنّ الأنظمة الأوتوقراطيّة تجبر المواطنين على فكرة واحدة، ومن هنا فإنه لا بدّ من دعم مفهوم المواطنيّة، وبناء مؤسسات تسمح بتمثيل مجموعات مختلفة، وأن لبنان بفضل هذا المفهوم، امتلك مؤسسات رصينة كالبرلمان والقضاء… وأنّ المجتمع الديني المتنوع، يمكنه بالحوار البنّاء، أن يصل لهُوّية واحدة وولادة فكرة ما فوق الطوائف… وأنّه عبر التاريخ كان لبنان الملاذ الأخير لطالبي الحريّة، وكان دور الدروز أساسيًّا في لبنان، وعنهم يقول “كانوا 12بالمئة من المجتمع ويسددون 21 بالمئة من الضرائب لامتلاكهم أراضٍ واسعة”… وذكر الدكتور حسن، أنّ الكنيسة المارونية، سببت حادثة 1860 واتُّهموا الدروز بذلك وخسروا كثيراً، ولكن على العموم، فإنّ الروحيّة السائدة كانت تؤكد على التواصل، وهذا ما فعله الدروز في منتصف القرن التاسع عشر… وأن الدروز على الرغم من قلّة عددهم قد حافظوا على انتمائهم لمدة ألف عام من التعدّدية والحضارة…
د. فكري شيشك: (تركي الأصل) تناول شخصية حسين بن الأمير فخر الدين المعني الثاني، وهو شخص لا علاقة له بالدروز، إلاّ من الناحية البيولوجية (كونه ابن أمير الدروز الذي أعدمه السلطان مراد الرابع عام 1635 لمحاولته الخروج ببلاد الشام ــ وليس لبنان فحسب ــ من دائرة الاستبداد العثماني) ولا أدري ما السبب الذي دفع بالدكتور المحاضر لإقحام شخصية حسين معن، وهو الذي تبنّاه العثمانيون على طريقتهم المعروفة، بأخذهم أبناء الأسرى والمغلوبين من الشعوب المهزومة، وتربيتهم تربية عسكرية عثمانية، ليكوِّنوا منهم، ما عُرف بالجيش الانكشاري… ولكنّ حسيناً هذا، ترقّى في المناصب، إلى أن وصل إلى مرتبة سفير للعثمانيين في الهند، وله كتاب اشتُهِرَ به بعنوان: “التمييز”، وليس في ذلك الكتاب ما يشير إلى انتماء حسين هذا لأهل التوحيد، (لم تُتَح لي مناقشة فكرتي هذه في المؤتمر بحجة ضيق الوقت لديهم).
الدكتور طلحة شيشك: (تركي الأصل) تناول موضوعاً بعنوان جمال باشا والدروز، وكان تناوُلُه ذاك بشكل سطحي متجاهلاً مظالم العثمانيين السابقة بحق الدروز، طيلة أربعة قرون ونيّف من العداء، تلك التي قادت إلى وقوف غالبيّة الموحّدين الدروز ضد العثمانييّن في الحرب العالمية الأولى عام 1914-1918.
كما قُدّمت موضوعات أُخرى منها دور الدروز من خلال الثورة السوريّة الكبرى عام 1925، والموقف المسيحي من الأمير شكيب أرسلان ( الدكتورة ريم بيلوني) حيث كان المسيحيون يحمّلونه مسؤولية تعاونه مع جمال باشا والمجاعة التي حصلت في لبنان، وكانوا يعترضون على نشاطه المُؤيِّد للثورة السورية الكبرى عام 1925 وكان أرسلان ديبلوماسياً وقوميّا عربيًّا وصُوِّر على أنه حليف خطر، ولم يرتاحوا لنشاطه الداعم للثورة، يقولون بسخرية: “كان أصحاب العرق الداكن والدروز يزورون أرسلان في غرفته” / تلك تسمية أُطلقت ضد المتعاونين مع الأمير الأرسلاني في الولايات المتحدة / غير أنّ الولايات المتحدة لم تعادِ شكيب أرسلان..
السيد فادي زهيري: تكلّم عن المعرفة الأكاديمية كأساس للتقدم والتطوّر… ونشاطات الدروز في الاغتراب..
الأستاذ الشّيخ سعيد أبوزكي: تناول سلوك عقّال الدروز وموقفهم تجاه العنف الذي يقضي باتّباع الحكمة القائلة: “منع أنفسكم عن أذيّة الآخرين ومنع الأذيّة عن أنفسكم” وألّا يقاتل العقّال خارج مناطق عيشهم وعدم إطلاق النار على المُقْفي (الهارب) وعدم استخدام المدافع (لعشوائية إصاباتها) وتحريم أذيّة النساء والعزّل والمشايخ في القتال، وتحريم شراء المنتجات الزراعية من أرض الخصوم المهجّرين من ديارهم… واستشهد بمقولة للشيخ المرحوم أبو حسن عارف حلاوي التي تقول: نُحَرِّم التعدّي وعندما يُعْتَدى علينا نُدافع عن أنفسنا”، و “من يتعدَّ فليس منّا” و”العقال يقتنون السلاح لرفع الظلم” و “من يَسْتَهْوِن الشرّ فلن يستحق إطلاق الرّحمة عليه عند وفاته” و”لزوم تغليب العقل على القوّة الغضبيّة” واستشهد بِمَقولَةٍ للشيخ أمين الصّايغ “إيمانُنا يحمي سلاحنا ولا نقتني السّلاح لحماية إيماننا”.
الدكتورة كاثلين هود: بحثت في أغاني الزواج لدى الدروز وأغاني الدروز بشكل عام وتراجُع الأغنية الدّرزية أمام شيوع الـستيريو…
الدكتور مالك نجار: تكلّم على مساهمات الفنّانين الدروز في الفيلم والمسرح وأشار إلى أنّ هناك صورة غير دقيقة في أعمال غير الدروز عن الدروز وأنّ هناك سوء في تمثيل الدروز في هذه الأعمال وإبرازهم كمجموعة عقائدية لا تستحق الانتباه.
زينة الخليل ورانيا جابر فنّانتان درزيّتان تكلّمتا على تجربتهما الفنية التي تناولت كلّ منها أعمالاً تعود بعضها إلى فترة الحرب الأهلية وإلى التجارب الذاتية في الإبداع الفنّي..